الأحد، 29 سبتمبر 2019

هل يغزو الإمام في الشهر الحرام.

هل يغزو الإمام في الشهر الحرام.
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على عبد الله و رسوله محمد بن عبد الله و على آله و صحبه أجمعين ،أما بعد:
قال الإمام أحمد في "المسند":
14173 حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى أَبُو عُمَرَ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلَّا أَنْ يُغْزَى أَوْ يُغْزَوْا فَإِذَا حَضَرَ ذَلِكَ أَقَامَ حَتَّى يَنْسَلِخَ".
14303 حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا ليث بن سعيد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى أو يغزوا فإذا حضره أقام حتى ينسلخ".
وإسناده صحيحٌ على شرط مسلم.
وقال ابن القيم في "زاد المعاد"(3/ 301-303)" :
[فَصْلٌ فِيمَا كَانَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ]
[جَوَازُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ]
فَصْلٌ فِيمَا كَانَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ فَمِنْهَا مُحَارَبَةُ الْكُفَّارِ وَمُقَاتَلَتُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَمَكَثَ بِهَا أَيَّامًا، ثُمَّ سَارَ إِلَى خَيْبَرَ فِي الْمُحَرَّمِ، كَذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عروة، عَنْ مروان وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: خَرَجَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَلَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ خُرُوجَهُ كَانَ فِي أَوَاخِرِ الْمُحَرَّمِ، لَا فِي أَوَّلِهِ، وَفَتْحُهَا إِنَّمَا كَانَ فِي صَفَرَ.
وَأَقْوَى مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بَيْعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ عَلَى الْقِتَالِ، وَأَلَّا يَفِرُّوا، وَكَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَلَكِنْ لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا عُثْمَانَ وَهُمْ يُرِيدُونَ قِتَالَهُ، فَحِينَئِذٍ بَايَعَ الصَّحَابَةَ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِذَا بَدَأَ الْعَدُوُّ، إِنَّمَا الْخِلَافُ أَنْ يُقَاتَلَ فِيهِ ابْتِدَاءً، فَالْجُمْهُورُ جَوَّزُوهُ وَقَالُوا: تَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِيهِ مَنْسُوخٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَذَهَبَ عطاء وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَكَانَ عطاء يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا يَحِلُّ الْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَلَا نَسَخَ تَحْرِيمَهُ شَيْءٌ.
وَأَقْوَى مِنْ هَذَيْنِ الِاسْتِدْلَالَيْنِ الِاسْتِدْلَالُ بِحِصَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلطَّائِفِ؛ فَإِنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهَا فِي أَوَاخِرِ شَوَّالٍ، فَحَاصَرَهُمْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَبَعْضُهَا كَانَ فِي ذِيالْقَعْدَةِ، فَإِنَّهُ ( «فَتَحَ مَكَّةَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَقَامَ بِهَا بَعْدَ الْفَتْحِ تِسْعَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاة» ) ، فَخَرَجَ إِلَى هَوَازِنَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ شَوَّالٍ عِشْرُونَ يَوْمًا، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ هَوَازِنَ، وَقَسَمَ غَنَائِمَهَا، ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهَا إِلَى الطَّائِفِ فَحَاصَرَهَا بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ بِلَا شَكٍّ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا حَاصَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ بِلَا شَكٍّ، وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُ هَذَا التَّصْحِيحُ وَالْجَزْمُ بِهِ؟ وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ الطَّائِفِ قَالَ: ( «فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَاسْتَعْصَوْا وَتَمَنَّعُوا» ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَهَذَا الْحِصَارُ وَقَعَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ بِلَا رَيْبٍ، وَمَعَ هَذَا فَلَا دَلِيلَ فِي الْقِصَّةِ؛ لِأَنَّ غَزْوَ الطَّائِفِ كَانَ مِنْ تَمَامِ غَزْوَةِ هَوَازِنَ، وَهُمْ بَدَءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِتَالِ، وَلَمَّا انْهَزَمُوا دَخَلَ مَلِكُهُمْ وَهُوَ مالك بن عوف النضري مَعَ ثَقِيفٍ فِي حِصْنِ الطَّائِفِ مُحَارِبِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ غَزْوُهُمْ مِنْ تَمَامِ الْغَزْوَةِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا، وَاللَّه أَعْلَمُ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَهِيَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا، وَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} [المائدة: 2] [الْمَائِدَةِ: 2] .
وَقَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 217] [الْبَقَرَةِ: 217]
فَهَاتَانِ آيَتَانِ مَدَنِيَّتَانِ بَيْنَهُمَا فِي النُّزُولِ نَحْوُ ثَمَانِيَةِ أَعْوَامٍ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ نَاسِخٌ لِحُكْمِهِمَا، وَلَا أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى نَسْخِهِ، وَمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى نَسْخِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] [التَّوْبَةِ: 36] وَنَحْوِهَا مِنَ الْعُمُومَاتِ، فَقَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى النَّسْخِ بِمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أبا عامر فِي سِرِّيَّةٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَدِ اسْتَدَلَّ بِغَيْرِ دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ تَمَامِ الْغَزْوَةِ الَّتِي بَدَأَ فِيهَا الْمُشْرِكُونَ بِالْقِتَالِ، وَلَمْ يَكُنِ ابْتِدَاءً مِنْهُ لِقِتَالِهِمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
قال ابن مفلح رحمه الله :
" وَيَجُوزُ القتال في الشهر الحرام دفعا ، إجماعا " انتهى من "الفروع" (10/ 47) .
قال ابن كثير رحمه الله :
" اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِ ابْتِدَاءِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ: هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ أَوْ مُحْكَمٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا -وَهُوَ الْأَشْهَرُ: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) وَأَمَرَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَظَاهِرُ السِّيَاقِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ أَمْرًا عَامًّا، فَلَوْ كان محرما فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ لَأَوْشَكَ أَنْ يُقَيِّدَهُ بِانْسِلَاخِهَا؛ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ -وَهُوَ ذُو الْقَعْدَةِ -كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: (أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى هَوَازِنَ فِي شَوَّالَ، فَلَمَّا كَسَرَهُمْ وَاسْتَفَاءَ أَمْوَالَهُمْ، وَرَجَعَ فَلُّهم، فَلَجَئُوا إِلَى الطَّائِفِ -عَمد إِلَى الطَّائِفِ فَحَاصَرَهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَفْتَتِحْهَا) فَثَبَتَ أَنَّهُ حَاصَرَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّ ابْتِدَاءَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ حَرَامٌ، وَأَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ تَحْرِيمَ الْحَرَامِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ) وَقَالَ: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) الْآيَةَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ، وَأَنَّهُ حُكْمٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّهْيِيجِ وَالتَّحْضِيضِ، أَيْ: كَمَا يَجْتَمِعُونَ لِحَرْبِكُمْ إِذَا حَارَبُوكُمْ ، فَاجْتَمِعُوا أَنْتُمْ أَيْضًا لَهُمْ إِذَا حَارَبْتُمُوهُمْ، وَقَاتِلُوهُمْ بِنَظِيرِ مَا يَفْعَلُونَ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَذِنَ للمؤمنين بقتال الْمُشْرِكِينَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِذَا كَانَتِ الْبُدَاءَةُ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ) وَقَالَ تَعَالَى: (وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) الْآيَةَ .
وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حِصَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ، وَاسْتِصْحَابِهِ الْحِصَارَ إِلَى أَنْ دَخَلَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ، فَإِنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ قِتَالِ هَوَازِنَ وَأَحْلَافِهَا مِنْ ثَقِيفٍ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ ابْتَدَءُوا الْقِتَالَ، وَجَمَعُوا الرِّجَالَ، وَدَعَوْا إِلَى الْحَرْبِ وَالنِّزَالِ، فَعِنْدَها قَصَدَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَمَّا تَحَصَّنُوا بِالطَّائِفِ ذَهَبَ إِلَيْهِمْ لِيُنْزِلَهُمْ مِنْ حُصُونِهِمْ، فَنَالُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَتَلُوا جَمَاعَةً، وَاسْتَمَرَّ الْحِصَارُ بِالْمَجَانِيقِ وَغَيْرِهَا قَرِيبًا مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَكَانَ ابْتِدَاؤُهُ فِي شَهْرٍ حَلَالٍ، وَدَخَلَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ، فَاسْتَمَرَّ فِيهِ أَيَّامًا، ثُمَّ قَفَلَ عَنْهُمْ ، لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَهَذَا هُوَ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ " انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/ 149-150).
#اجتباها_وانتخبها_أبو_الهمام_طارق_عثمان
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وسلم والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق