الدعاء في مجامع المسلمين مستجاب
قال البخاري في صحيحه:
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : هِيَ سَاعَةُ الصَّلَاةِ ، فَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ الترمذي وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عمرو بن عوف المزني ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ ؟ قَالَ : " حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إِلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا " . وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ ، قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : هُوَ حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِهِ فِيمَا عَلِمْتُ إِلَّا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ .
وَقَدْ رَوَى رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ عوف عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أبي بردة عن أبي موسى أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي يَخْرُجُ فِيهَا الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ . فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : أَصَابَ اللَّهُ بِكَ .
وَرَوَى عبد الرحمن بن حجيرة ، عَنْ أبي ذر أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْهُ عَنِ السَّاعَةِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ ، فَقَالَ لَهَا : هِيَ مَعَ رَفْعِ الشَّمْسِ بِيَسِيرٍ ، فَإِنْ سَأَلْتِنِي بَعْدَهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي " وَبَعْدَ الْعَصْرِ لَا صَلَاةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَوْلَى . قَالَ أبو عمر : يَحْتَجُّ أَيْضًا مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا بِحَدِيثِ علي ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَفَاءَتِ الْأَفْيَاءُ وَرَاحَتِ الْأَرْوَاحُ ، فَاطْلُبُوا إِلَى اللَّهِ حَوَائِجَكُمْ فَإِنَّهَا [ ص: 382 ] سَاعَةُ الْأَوَّابِينَ ، ثُمَّ تَلَا : فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الْإِسْرَاءِ : 25] " .
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : السَّاعَةُ الَّتِي تُذْكَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ : مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ . وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ لَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ . وَيَلِيهِ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا سَاعَةُ الصَّلَاةِ ، وَبَقِيَّةُ الْأَقْوَالِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا .
وَعِنْدِي أَنَّ سَاعَةَ الصَّلَاةِ سَاعَةٌ تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ أَيْضًا ، فَكِلَاهُمَا سَاعَةُ إِجَابَةٍ ، وَإِنْ كَانَتِ السَّاعَةُ الْمَخْصُوصَةُ هِيَ آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَهِيَ سَاعَةٌ مُعَيَّنَةٌ مِنَ الْيَوْمِ لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ ، وَأَمَّا سَاعَةُ الصَّلَاةِ فَتَابِعَةٌ لِلصَّلَاةِ ، تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ ؛ لِأَنَّ لِاجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلَاتِهِمْ وَتَضَرُّعِهِمْ وَابْتِهَالِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَأْثِيرًا فِي الْإِجَابَةِ ، فَسَاعَةُ اجْتِمَاعِهِمْ سَاعَةٌ تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ ، وَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا ، وَيَكُونُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَضَّ أُمَّتَهُ عَلَى الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي هَاتَيْنِ السَّاعَتَيْنِ .
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَقَالَ : " هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا " وَأَشَارَ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ . وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ مُؤَسَّسًا عَلَى التَّقْوَى ، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُؤَسَّسٌ عَلَى التَّقْوَى .
[ ص: 383 ] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سَاعَةِ الْجُمُعَةِ " هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ " لَا يُنَافِي قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ " .
وَيُشْبِهُ هَذَا فِي الْأَسْمَاءِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : مَنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ قَالَ " الرَّقُوبُ مَنْ لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا " .
فَأَخْبَرَ أَنَّ هَذَا هُوَ الرَّقُوبُ إِذْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ وَلَدِهِ مِنَ الْأَجْرِ مَا حَصَلَ لِمَنْ قَدَّمَ مِنْهُمْ فَرَطًا ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يُسَمَّى مَنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ رَقُوبًا .
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَعُدُّونَ الْمُفْلِسَ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ . قَالَ " الْمُفْلِسُ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ ، وَيَأْتِي وَقَدْ لَطَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ " الْحَدِيثَ .