السبت، 29 ديسمبر 2018

إعلال نفيس لابن تيمية وتلميذه ابن القيَّم ـ رحمهما الله ـ لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ( أُمِرَتْ بَرِيرَةُ أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ).

إعلال نفيس لابن تيمية وتلميذه ابن القيَّم ـ رحمهما الله ـ لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ( أُمِرَتْ بَرِيرَةُ أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ).
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على عبد الله و رسوله محمد بن عبد الله و على آله و صحبه أجمعين و بعد:
قال ابن ماجه في " السنن":
2077: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ ،عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ،عَنْ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ :"أُمِرَتْ بَرِيرَةُ أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ".
وهذا حديث ظاهر سنده الصحة ،لكنه معلول كماقال ابن تيمية ،ومنكربإسناد مشهور كما ابن القيَّم.
قال ابن تيمية ـ مجموع الفتاوى":
وَفِي السُّنَنِ فِي حَدِيثِ { بَرِيرَةَ لَمَّا أُعْتِقَتْ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ تَعْتَدَّ } فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ كَابْنِ حَزْمٍ : إنَّ مَنْ لَيْسَتْ بِمُطَلَّقَةٍ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةِ إلَّا هَذِهِ . وَهَذَا ضَعِيفٌ ; فَإِنَّ لَفْظَ " تَعْتَدُّ " فِي كَلَامِهِمْ يُرَادُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَا ذَكَرْنَا أَتْبَعُ هَذِهِ وَقَدْ رَوَى ابْن ماجه عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ } فَقَالَ كَذَا لَكِنَّ ((هَذَا حَدِيثٌ مَعْلُولٌ)) [ ص: 112 ] أَمَّا " أَوَّلًا " فَإِنَّ عَائِشَةَ قَدْ ثَبَتَ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ الْعِدَّةَ عِنْدَهَا ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ وَأَنَّهَا إذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ حَلَّتْ فَكَيْفَ تَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ
وَالنِّزَاعُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ إلَى الْيَوْمِ فِي الْعِدَّةِ : هَلْ هِيَ ثَلَاثُ حِيَضٍ أَوْ ثَلَاثُ أَطْهَارٍ ؟ وَمَا سَمِعْنَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَلَوْ كَانَ لِهَذَا أَصْلٌ عَنْ عَائِشَةَ لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً .
ثُمَّ هَذِهِ سُنَّةٌ عَظِيمَةٌ تَتَوَافَرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى مَعْرِفَتِهَا ; لِأَنَّ فِيهَا أَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ " أَحَدُهُمَا " أَنَّ الْمُعْتَقَةَ تَحْتَ عَبْدٍ تَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ . " وَالثَّانِي " أَنَّ الْعِدَّةَ ثَلَاثُ حَيْضٍ .
وَأَيْضًا فَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمُعْتَقَةَ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا كَانَ ذَلِكَ طَلْقَةً بَائِنَةً كَقَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَالْعِدَّةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ طَلَاقٍ ; لَكِنَّ هَذَا أَيْضًا قَوْلٌ ضَعِيفٌ .
وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا رَجْعِيًّا وَأَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ مُبَايِنَةٍ فَلَيْسَتْ مِنْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ حَتَّى الْخُلْعُ كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وقال تلميذه ابن قيَّم الجوزية في "إعلام الموقعين":
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ تَعْتَدُّ ثَلَاثَ حِيَضٍ ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ { عَائِشَةَ قَالَتْ : أُمِرَتْ بَرِيرَةَ أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ } .
قِيلَ : مَا أَصَرْحَهُ مِنْ حَدِيثٍ لَوْ ثَبَتَ ، وَلَكِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ بِإِسْنَادٍ مَشْهُورٍ ..".
وقال مالك في " الموطأ برواية يحيى":
1186: عَنْ مَالِك ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ :
فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَقَالَتْ : صَدَقَ عُرْوَةُ ، وَقَدْ جَادَلَهَا فِي ذَلِكَ نَاسٌ ، فَقَالُوا :
إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : ثَلاثَةَ قُرُوءٍ سورة البقرة آية 228 ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ : صَدَقْتُمْ ،
" تَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاءُ ؟ إِنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ " .
وَحَدَّثَنِي ، عَنْ مَالِك ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، يَقُولُ : " مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا ، إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ : هَذَا " . يُرِيدُ قَوْلَ عَائِشَةَ .
وإسناده صحيحٌ غايةً.
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وسلم والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق