بِرُّ الوالدينِ كفارةُ الكبائر.
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على عبد الله و رسوله محمد بن عبد الله و على آله و صحبه أجمعين و بعد:
قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ كَفَّارَةُ الْكَبَائِرِ (1).
قلتُ: وهذا استنباطٌ دقيقٌ منه ـ رحمه اللهُ ـ.
قال البخاري في " الأدب المفرد":
4:حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ :
" إِنِّي خَطَبْتُ امْرَأَةً ، فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَنِي ، وَخَطَبَهَا غَيْرِي ، فَأَحَبَّتْ أَنْ تَنْكِحَهُ ، فَغِرْتُ عَلَيْهَا ، فَقَتَلْتُهَا ، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ ، قَالَ : أُمُّكَ حَيَّةٌ ؟ قَالَ : لا ، قَالَ :
تُبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَقَرَّبْ إِلَيْهِ مَا اسْتَطَعْتَ ، فَذَهَبْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ : لِمَ سَأَلْتَهُ عَنْ حَيَاةِ أُمِّهِ ؟ فَقَالَ :
إِنِّي لا أَعْلَمُ عَمَلا أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَةِ " .
قلتُ: إسناده صحيحٌ.
وقال الطبري في "تفسيره":
8451:حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ : ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ , قَالَ : أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ , عَنْ طَيْسَلَةَ بْنِ مَيَّاسٍ , قَالَ :
كُنْتُ مَعَ النَّجَدَاتِ , فَأَصَبْتُ ذَنُوبًا لا أُرَاهَا إِلا مِنَ الْكَبَائِرِ , فَلَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ , فَقُلْتُ : إِنِّي أُصِيبُ ذَنُوبًا لا أُرَاهَا إِلا مِنَ الْكَبَائِرِ , قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ : أصبت كَذَا وَكَذَا , قَالَ : لَيْسَ مِنَ الْكَبَائِرِ , قَالَ : بِشَيْءٍ لَمْ يُسَمِّهِ طَيْسَلَةُ , قَالَ : هِيَ تِسْعٌ , وَسَأَعُدُّهُنَّ عَلَيْكَ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ , وَقَتْلُ النَّسَمَةِ بِغَيْرِ حِلِّهَا , وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ , وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ , وَأَكْلُ الرِّبَا , وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْمًا , وَإِلْحَادٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَالَّذِي يَسْتَسْحِرُ , وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْعُقُوقِ ، قَالَ زِيَادٌ : وَقَالَ طَيْسَلَةُ : لَمَّا رَأَى ابْنُ عُمَرَ فَرَقِيَ , قَالَ : أَتَخَافُ النَّارَ أَنْ تَدْخُلَهَا ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ , قَالَ : أَحَيٌّ وَالِدَاكَ ؟ قُلْتُ : عِنْدِي أُمِّي , قَالَ : فَوَاللَّهِ لَئِنْ أَنْتَ أَلَنْتَ لَهَا الْكَلامَ , وَأَطْعَمْتَهَا الطَّعَامَ , لَتَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ ، مَا اجْتَنَبْتَ الْمُوجِبَاتِ " .
قلتُ:وإسناده صحيحٌ، وقد رواه البخاري في " الأدب المفرد" مختصراً.
وقال البخاري في " الأدب المفرد":
8: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي طَيْسَلَةُ بْنُ مَيَّاسٍ ، قَالَ :
" كُنْتُ مَعَ النَّجَدَاتِ ، فَأَصَبْتُ ذُنُوبًا لا أَرَاهَا إِلا مِنَ الْكَبَائِرِ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : مَا هِيَ ؟ قُلْتُ : كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : لَيْسَتْ هَذِهِ مِنَ الْكَبَائِرِ ، هُنَّ تِسْعٌ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَقَتْلُ نَسَمَةٍ ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَإِلْحَادٌ فِي الْمَسْجِدِ ، وَالَّذِي يَسْتَسْخِرُ ، وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْعُقُوقِ ، قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ : أَتَفْرَقُ النَّارَ ، وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ ؟ قُلْتُ : إِي وَاللَّهِ ، قَالَ : أَحَيٌّ وَالِدُكَ ؟ قُلْتُ : عِنْدِي أُمِّي ، قَالَ : فَوَاللَّهِ لَوْ أَلَنْتَ لَهَا الْكَلامَ ، وَأَطْعَمْتَهَا الطَّعَامَ ، لَتَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مَا اجْتَنَبْتَ الْكَبَائِرَ " .
وإسناده صحيحٌ.
وقال ابن كثيرٍ في " تفسيره":
وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ غَرِيبٌ وَسِيَاقٌ عَجِيبٌ فِي ذَلِكَ أَحْبَبْنَا أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهِ ، قَالَ : الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْ أَبِيهَا ] أَنَّهَا قَالَتْ : قَدِمَتِ امْرَأَةٌ عَلَيَّ مِنْ أَهْلِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ ، جَاءَتْ تَبْتَغِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ حَدَاثَةَ ذَلِكَ ، تَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ دَخَلَتْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ السِّحْرِ ، وَلَمْ تَعْمَلْ بِهِ . قَالَتْ عَائِشَةُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، لِعُرْوَةَ : يَا ابْنَ أُخْتِي ، فَرَأَيْتُهَا تَبْكِي حِينَ لَمْ تَجِدْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفِيهَا كَانَتْ تَبْكِي حَتَّى إِنِّي لَأَرْحَمُهَا ، وَتَقُولُ : إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ . كَانَ لِي زَوْجٌ فَغَابَ عَنِّي ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَجُوزٍ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَيْهَا ، فَقَالَتْ : إِنْ فَعَلْتِ مَا آمُرُكِ بِهِ فَأَجْعَلُهُ يَأْتِيكِ . فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ جَاءَتْنِي بِكَلْبَيْنِ أَسْوَدَيْنِ ، فَرَكِبْتُ أَحَدَهُمَا وَرَكِبَتِ الْآخَرَ ، فَلَمْ يَكُنْ كَشَيْءٍ حَتَّى وَقَفْنَا بِبَابِلَ ، وَإِذَا بِرَجُلَيْنِ مُعَلَّقَيْنِ بِأَرْجُلِهِمَا . فَقَالَا : مَا جَاءَ بِكِ ؟ فَقُلْتُ : أَتَعَلَّمُ السِّحْرَ . فَقَالَا : إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرِي ، فَارْجِعِي . فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ : لَا . قَالَا : فَاذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ ، فَبُولِي فِيهِ . فَذَهَبْتُ فَفَزِعْتُ وَلَمْ أَفْعَلْ ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمَا ، فَقَالَا : أَفَعَلْتِ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ . فَقَالَا : هَلْ رَأَيْتِ شَيْئًا ؟ فَقُلْتُ : لَمْ أَرَ شَيْئًا . فَقَالَا : لَمْ تَفْعَلِي ، ارْجِعِي إِلَى بِلَادِكِ وَلَا تَكْفُرِي [ فَإِنَّكِ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكِ ] . فَأَرْبَبْتُ وَأَبَيْتُ . فَقَالَا : اذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ فَبُولِي فِيهِ . فَذَهَبْتُ فَاقْشَعْرَرْتُ [ وَخِفْتُ ] ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِمَا فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ . فَقَالَا : فَمَا رَأَيْتِ ؟ فَقُلْتُ : لَمْ [ ص: 361 ] أَرَ شَيْئًا . فَقَالَا : كَذَبْتِ ، لَمْ تَفْعَلِي ، ارْجِعِي إِلَى بِلَادِكِ وَلَا تَكْفُرِي ; فَإِنَّكِ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكِ . فَأَرْبَبْتُ وَأَبَيْتُ . فَقَالَا اذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ ، فَبُولِي فِيهِ . فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَبُلْتُ فِيهِ ، فَرَأَيْتُ فَارِسًا مُقَنَّعًا بِحَدِيدٍ خَرَجَ مِنِّي ، فَذَهَبَ فِي السَّمَاءِ وَغَابَ [ عَنِّي ] حَتَّى مَا أَرَاهُ ، فَجِئْتُهُمَا فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ . فَقَالَا : فَمَا رَأَيْتِ ؟ قُلْتُ : رَأَيْتُ فَارِسًا مُقَنَّعًا خَرَجَ مِنِّي فَذَهَبَ فِي السَّمَاءِ ، حَتَّى مَا أَرَاهُ . فَقَالَا : صَدَقْتِ ، ذَلِكَ إِيمَانُكِ خَرَجَ مِنْكِ ، اذْهَبِي . فَقُلْتُ لِلْمَرْأَةِ : وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا وَمَا قَالَا لِي شَيْئًا . فَقَالَتْ : بَلَى ، لَمْ تُرِيدِي شَيْئًا إِلَّا كَانَ ، خُذِي هَذَا الْقَمْحَ فَابْذُرِي ، فَبَذَرْتُ ، وَقُلْتُ : أَطْلِعِي فَأَطْلَعَتْ وَقُلْتُ : أَحْقِلِي فَأَحْقَلَتْ ثُمَّ قُلْتُ : أَفْرِكِي فَأَفْرَكَتْ . ثُمَّ قُلْتُ : أَيْبِسِي فَأَيْبَسَتْ . ثُمَّ قُلْتُ : أَطْحِنِي فَأَطْحَنَتْ . ثُمَّ قُلْتُ : أَخْبِزِي فَأَخْبَزَتْ . فَلَمَّا رَأَيْتُ أَنِّي لَا أُرِيدُ شَيْئًا إِلَّا كَانَ ، سَقَطَ فِي يَدِي وَنَدِمْتُ وَاللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ شَيْئًا قَطُّ وَلَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا .
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، بِهِ مُطَوَّلًا كَمَا تَقَدَّمَ . وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهَا : وَلَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا : فَسَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَاثَةَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ ، فَمَا دَرَوْا مَا يَقُولُونَ لَهَا ، وَكُلُّهُمْ هَابَ وَخَافَ أَنْ يُفْتِيَهَا بِمَا لَا يَعْلَمُهُ ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ قَالَ لَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْ بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ : لَوْ كَانَ أَبَوَاكِ حَيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا [ لَكَانَ يَكْفِيَانِكِ ] .
َقالَ هِشَامٌ : فَلَوْ جَاءَتْنَا أَفْتَيْنَاهَا بِالضَّمَانِ [ قَالَ ] : قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ : وَكَانَ هِشَامٌ يَقُولُ : إِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ الْوَرَعِ وَالْخَشْيَةِ مِنَ اللَّهِ . ثُمَّ يَقُولُ هِشَامٌ : لَوْ جَاءَتْنَا مِثْلُهَا الْيَوْمَ لَوَجَدَتْ نَوْكَى أَهْلَ حُمْقٍ وَتَكَلُّفٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ .
فَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ إِلَى عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
وقال الحاكم في " المستدرك":
7344 - (دثنا أبو العباس محمد بن يعقوب،ثنا الربيع بن سليمان ،ثنا عبد الله بن وهب)، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : " قَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ عَلَيَّ جَاءَتْ تَبْتَغِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ حَدَاثَةَ ذَلِكَ تَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ دَخَلَتْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ السَّحَرَةِ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ " . قَالَتْ عَائِشَةُ لِعُرْوَةَ : " يَا ابْنَ أُخْتِي فَرَأَيْتُهَا تَبْكِي حِينَ لَمْ تَجِدْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفِيَهَا حَتَّى إِنِّي لَأَرْحَمُهَا وَهِيَ تَقُولُ : إِنِّي لَأَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ كَانَ لِي زَوْجٌ فَغَابَ عَنِّي فَدَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزٌ فَشَكَوْتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ : إِنْ فَعَلْتِ مَا آمُرُكِ فَلَعَلَّهُ يَأْتِيكِ فَلَمَّا أَنْ كَانَ اللَّيْلُ جَاءَتْنِي بِكَلْبَيْنِ أَسْوَدَيْنِ فَرَكِبْتُ أَحَدَهُمَا وَرَكِبَتِ الْآخَرَ فَلَمْ يَكُنْ مُكْثِي حَتَّى وَقَفْنَا بِبَابِلَ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلَيْنِ مُعَلَّقَيْنِ بِأَرْجُلِهِمَا فَقَالَا : مَا جَاءَ بِكِ ؟ فَقُلْتُ : أَتَعَلَّمُ السِّحْرَ . فَقَالَا : [ ص: 216 ] إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرِي وَارْجِعِي فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ : لَا ، قَالَا : فَاذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ فَبُولِي فِيهِ فَذَهَبْتُ وَفَزِعْتُ فَلَمْ أَفْعَلْ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمَا فَقَالَا لِي : فَعَلْتِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَا : هَلْ رَأَيْتِ شَيْئًا ؟ فَقُلْتُ : لَمْ أَرَ شَيْئًا . فَقَالَا : لَمْ تَفْعَلِي ارْجِعِي إِلَى بِلَادِكِ وَلَا تَكْفُرِي فَأَبَيْتُ فَقَالَا : اذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ فَبُولِي فِيهِ فَذَهَبْتُ فَاقْشَعَرَّ جِلْدِي وَخِفْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِمَا فَقَالَا : مَا رَأَيْتِ ؟ فَقُلْتُ : لَمْ أَرَ شَيْئًا . فَقَالَا : كَذَبْتِ لَمْ تَفْعَلِي ارْجِعِي إِلَى بِلَادِكِ وَلَا تَكْفُرِي فَإِنَّكِ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكِ فَأَبَيْتُ فَقَالَا : اذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ فَبُولِي فِيهِ فَذَهَبْتُ فَبُلْتُ فِيهِ فَرَأَيْتُ فَارِسًا مُتَقَنِّعًا بِحَدِيدٍ خَرَجَ مِنِّي حَتَّى ذَهَبَ فِي السَّمَاءِ فَغَابَ عَنِّي حَتَّى مَا أَرَاهُ فَأَتَيْتُهُمَا فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ ، فَقَالَا : فَمَا رَأَيْتِ ؟ قُلْتُ : رَأَيْتُ فَارِسًا مُتَقَنِّعًا بِحَدِيدٍ خَرَجَ مِنِّي فَذَهَبَ فِي السَّمَاءِ فَغَابَ عَنِّي حَتَّى مَا أَرَى شَيْئًا . قَالَا : صَدَقْتِ ذَلِكَ إِيمَانُكِ خَرَجَ مِنْكِ اذْهَبِي ، فَقُلْتُ لِلْمَرْأَةِ : وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا وَمَا قَالَا لِي شَيْئًا فَقَالَا : بَلَى إِنْ تُرِيدِينَ شَيْئًا إِلَّا كَانَ خُذِي هَذَا الْقَمْحَ فَابْذُرِي فَبَذَرْتُ فَقُلْتُ : اطْلُعِي فَطَلَعَتْ وَقُلْتُ : أَحْقِلِي فَحَقَلَتْ ثُمَّ قُلْتُ : أَفْرِخِي فَأَفْرَخَتْ ثُمَّ قُلْتُ : إِيبِسِي فَيَبِسَتْ ثُمَّ قُلْتُ : اطْحَنِي فَطَحَنَتْ ثُمَّ قُلْتُ : اخْبِزِي فَخَبَزَتْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُ أَنِّي لَا أُرِيدُ شَيْئًا إِلَّا كَانَ سَقَطَ فِي يَدِي وَنَدِمْتُ ، وَاللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا فَعَلْتُ شَيْئًا قَطُّ وَلَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا ، فَسَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَدَاثَةَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ فَمَا دَرَوْا مَا يَقُولُونَ لَهَا وَكُلُّهُمْ هَابَ وَخَافَ أَنْ يُفْتِيَهَا بِمَا لَا يَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ كَانَ أَبَوَاكِ حَيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَكَانَا يَكْفِيَانِكِ " .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَالْغَرَضُ فِي إِخْرَاجِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حِدْثَانُ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ الْأَبَوَيْنِ يَكْفِيَانِهَا " .
ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
-----------------------------------------------
(1):[ الآداب الشرعية لابن مفلح رحمه الله (٣٨٩/١)]"وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ : بِرُّ الْوَالِدَيْنِ كَفَّارَةُ الْكَبَائِرِ . وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَكْحُولٍ"ا.هـــــ.
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على عبد الله و رسوله محمد بن عبد الله و على آله و صحبه أجمعين و بعد:
قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ كَفَّارَةُ الْكَبَائِرِ (1).
قلتُ: وهذا استنباطٌ دقيقٌ منه ـ رحمه اللهُ ـ.
قال البخاري في " الأدب المفرد":
4:حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ :
" إِنِّي خَطَبْتُ امْرَأَةً ، فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَنِي ، وَخَطَبَهَا غَيْرِي ، فَأَحَبَّتْ أَنْ تَنْكِحَهُ ، فَغِرْتُ عَلَيْهَا ، فَقَتَلْتُهَا ، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ ، قَالَ : أُمُّكَ حَيَّةٌ ؟ قَالَ : لا ، قَالَ :
تُبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَقَرَّبْ إِلَيْهِ مَا اسْتَطَعْتَ ، فَذَهَبْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ : لِمَ سَأَلْتَهُ عَنْ حَيَاةِ أُمِّهِ ؟ فَقَالَ :
إِنِّي لا أَعْلَمُ عَمَلا أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَةِ " .
قلتُ: إسناده صحيحٌ.
وقال الطبري في "تفسيره":
8451:حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ : ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ , قَالَ : أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ , عَنْ طَيْسَلَةَ بْنِ مَيَّاسٍ , قَالَ :
كُنْتُ مَعَ النَّجَدَاتِ , فَأَصَبْتُ ذَنُوبًا لا أُرَاهَا إِلا مِنَ الْكَبَائِرِ , فَلَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ , فَقُلْتُ : إِنِّي أُصِيبُ ذَنُوبًا لا أُرَاهَا إِلا مِنَ الْكَبَائِرِ , قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ : أصبت كَذَا وَكَذَا , قَالَ : لَيْسَ مِنَ الْكَبَائِرِ , قَالَ : بِشَيْءٍ لَمْ يُسَمِّهِ طَيْسَلَةُ , قَالَ : هِيَ تِسْعٌ , وَسَأَعُدُّهُنَّ عَلَيْكَ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ , وَقَتْلُ النَّسَمَةِ بِغَيْرِ حِلِّهَا , وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ , وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ , وَأَكْلُ الرِّبَا , وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْمًا , وَإِلْحَادٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَالَّذِي يَسْتَسْحِرُ , وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْعُقُوقِ ، قَالَ زِيَادٌ : وَقَالَ طَيْسَلَةُ : لَمَّا رَأَى ابْنُ عُمَرَ فَرَقِيَ , قَالَ : أَتَخَافُ النَّارَ أَنْ تَدْخُلَهَا ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ , قَالَ : أَحَيٌّ وَالِدَاكَ ؟ قُلْتُ : عِنْدِي أُمِّي , قَالَ : فَوَاللَّهِ لَئِنْ أَنْتَ أَلَنْتَ لَهَا الْكَلامَ , وَأَطْعَمْتَهَا الطَّعَامَ , لَتَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ ، مَا اجْتَنَبْتَ الْمُوجِبَاتِ " .
قلتُ:وإسناده صحيحٌ، وقد رواه البخاري في " الأدب المفرد" مختصراً.
وقال البخاري في " الأدب المفرد":
8: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي طَيْسَلَةُ بْنُ مَيَّاسٍ ، قَالَ :
" كُنْتُ مَعَ النَّجَدَاتِ ، فَأَصَبْتُ ذُنُوبًا لا أَرَاهَا إِلا مِنَ الْكَبَائِرِ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : مَا هِيَ ؟ قُلْتُ : كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : لَيْسَتْ هَذِهِ مِنَ الْكَبَائِرِ ، هُنَّ تِسْعٌ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَقَتْلُ نَسَمَةٍ ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَإِلْحَادٌ فِي الْمَسْجِدِ ، وَالَّذِي يَسْتَسْخِرُ ، وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْعُقُوقِ ، قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ : أَتَفْرَقُ النَّارَ ، وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ ؟ قُلْتُ : إِي وَاللَّهِ ، قَالَ : أَحَيٌّ وَالِدُكَ ؟ قُلْتُ : عِنْدِي أُمِّي ، قَالَ : فَوَاللَّهِ لَوْ أَلَنْتَ لَهَا الْكَلامَ ، وَأَطْعَمْتَهَا الطَّعَامَ ، لَتَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مَا اجْتَنَبْتَ الْكَبَائِرَ " .
وإسناده صحيحٌ.
وقال ابن كثيرٍ في " تفسيره":
وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ غَرِيبٌ وَسِيَاقٌ عَجِيبٌ فِي ذَلِكَ أَحْبَبْنَا أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهِ ، قَالَ : الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْ أَبِيهَا ] أَنَّهَا قَالَتْ : قَدِمَتِ امْرَأَةٌ عَلَيَّ مِنْ أَهْلِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ ، جَاءَتْ تَبْتَغِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ حَدَاثَةَ ذَلِكَ ، تَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ دَخَلَتْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ السِّحْرِ ، وَلَمْ تَعْمَلْ بِهِ . قَالَتْ عَائِشَةُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، لِعُرْوَةَ : يَا ابْنَ أُخْتِي ، فَرَأَيْتُهَا تَبْكِي حِينَ لَمْ تَجِدْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفِيهَا كَانَتْ تَبْكِي حَتَّى إِنِّي لَأَرْحَمُهَا ، وَتَقُولُ : إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ . كَانَ لِي زَوْجٌ فَغَابَ عَنِّي ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَجُوزٍ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَيْهَا ، فَقَالَتْ : إِنْ فَعَلْتِ مَا آمُرُكِ بِهِ فَأَجْعَلُهُ يَأْتِيكِ . فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ جَاءَتْنِي بِكَلْبَيْنِ أَسْوَدَيْنِ ، فَرَكِبْتُ أَحَدَهُمَا وَرَكِبَتِ الْآخَرَ ، فَلَمْ يَكُنْ كَشَيْءٍ حَتَّى وَقَفْنَا بِبَابِلَ ، وَإِذَا بِرَجُلَيْنِ مُعَلَّقَيْنِ بِأَرْجُلِهِمَا . فَقَالَا : مَا جَاءَ بِكِ ؟ فَقُلْتُ : أَتَعَلَّمُ السِّحْرَ . فَقَالَا : إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرِي ، فَارْجِعِي . فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ : لَا . قَالَا : فَاذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ ، فَبُولِي فِيهِ . فَذَهَبْتُ فَفَزِعْتُ وَلَمْ أَفْعَلْ ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمَا ، فَقَالَا : أَفَعَلْتِ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ . فَقَالَا : هَلْ رَأَيْتِ شَيْئًا ؟ فَقُلْتُ : لَمْ أَرَ شَيْئًا . فَقَالَا : لَمْ تَفْعَلِي ، ارْجِعِي إِلَى بِلَادِكِ وَلَا تَكْفُرِي [ فَإِنَّكِ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكِ ] . فَأَرْبَبْتُ وَأَبَيْتُ . فَقَالَا : اذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ فَبُولِي فِيهِ . فَذَهَبْتُ فَاقْشَعْرَرْتُ [ وَخِفْتُ ] ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِمَا فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ . فَقَالَا : فَمَا رَأَيْتِ ؟ فَقُلْتُ : لَمْ [ ص: 361 ] أَرَ شَيْئًا . فَقَالَا : كَذَبْتِ ، لَمْ تَفْعَلِي ، ارْجِعِي إِلَى بِلَادِكِ وَلَا تَكْفُرِي ; فَإِنَّكِ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكِ . فَأَرْبَبْتُ وَأَبَيْتُ . فَقَالَا اذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ ، فَبُولِي فِيهِ . فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَبُلْتُ فِيهِ ، فَرَأَيْتُ فَارِسًا مُقَنَّعًا بِحَدِيدٍ خَرَجَ مِنِّي ، فَذَهَبَ فِي السَّمَاءِ وَغَابَ [ عَنِّي ] حَتَّى مَا أَرَاهُ ، فَجِئْتُهُمَا فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ . فَقَالَا : فَمَا رَأَيْتِ ؟ قُلْتُ : رَأَيْتُ فَارِسًا مُقَنَّعًا خَرَجَ مِنِّي فَذَهَبَ فِي السَّمَاءِ ، حَتَّى مَا أَرَاهُ . فَقَالَا : صَدَقْتِ ، ذَلِكَ إِيمَانُكِ خَرَجَ مِنْكِ ، اذْهَبِي . فَقُلْتُ لِلْمَرْأَةِ : وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا وَمَا قَالَا لِي شَيْئًا . فَقَالَتْ : بَلَى ، لَمْ تُرِيدِي شَيْئًا إِلَّا كَانَ ، خُذِي هَذَا الْقَمْحَ فَابْذُرِي ، فَبَذَرْتُ ، وَقُلْتُ : أَطْلِعِي فَأَطْلَعَتْ وَقُلْتُ : أَحْقِلِي فَأَحْقَلَتْ ثُمَّ قُلْتُ : أَفْرِكِي فَأَفْرَكَتْ . ثُمَّ قُلْتُ : أَيْبِسِي فَأَيْبَسَتْ . ثُمَّ قُلْتُ : أَطْحِنِي فَأَطْحَنَتْ . ثُمَّ قُلْتُ : أَخْبِزِي فَأَخْبَزَتْ . فَلَمَّا رَأَيْتُ أَنِّي لَا أُرِيدُ شَيْئًا إِلَّا كَانَ ، سَقَطَ فِي يَدِي وَنَدِمْتُ وَاللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ شَيْئًا قَطُّ وَلَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا .
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، بِهِ مُطَوَّلًا كَمَا تَقَدَّمَ . وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهَا : وَلَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا : فَسَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَاثَةَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ ، فَمَا دَرَوْا مَا يَقُولُونَ لَهَا ، وَكُلُّهُمْ هَابَ وَخَافَ أَنْ يُفْتِيَهَا بِمَا لَا يَعْلَمُهُ ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ قَالَ لَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْ بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ : لَوْ كَانَ أَبَوَاكِ حَيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا [ لَكَانَ يَكْفِيَانِكِ ] .
َقالَ هِشَامٌ : فَلَوْ جَاءَتْنَا أَفْتَيْنَاهَا بِالضَّمَانِ [ قَالَ ] : قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ : وَكَانَ هِشَامٌ يَقُولُ : إِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ الْوَرَعِ وَالْخَشْيَةِ مِنَ اللَّهِ . ثُمَّ يَقُولُ هِشَامٌ : لَوْ جَاءَتْنَا مِثْلُهَا الْيَوْمَ لَوَجَدَتْ نَوْكَى أَهْلَ حُمْقٍ وَتَكَلُّفٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ .
فَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ إِلَى عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
وقال الحاكم في " المستدرك":
7344 - (دثنا أبو العباس محمد بن يعقوب،ثنا الربيع بن سليمان ،ثنا عبد الله بن وهب)، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : " قَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ عَلَيَّ جَاءَتْ تَبْتَغِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ حَدَاثَةَ ذَلِكَ تَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ دَخَلَتْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ السَّحَرَةِ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ " . قَالَتْ عَائِشَةُ لِعُرْوَةَ : " يَا ابْنَ أُخْتِي فَرَأَيْتُهَا تَبْكِي حِينَ لَمْ تَجِدْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفِيَهَا حَتَّى إِنِّي لَأَرْحَمُهَا وَهِيَ تَقُولُ : إِنِّي لَأَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ كَانَ لِي زَوْجٌ فَغَابَ عَنِّي فَدَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزٌ فَشَكَوْتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ : إِنْ فَعَلْتِ مَا آمُرُكِ فَلَعَلَّهُ يَأْتِيكِ فَلَمَّا أَنْ كَانَ اللَّيْلُ جَاءَتْنِي بِكَلْبَيْنِ أَسْوَدَيْنِ فَرَكِبْتُ أَحَدَهُمَا وَرَكِبَتِ الْآخَرَ فَلَمْ يَكُنْ مُكْثِي حَتَّى وَقَفْنَا بِبَابِلَ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلَيْنِ مُعَلَّقَيْنِ بِأَرْجُلِهِمَا فَقَالَا : مَا جَاءَ بِكِ ؟ فَقُلْتُ : أَتَعَلَّمُ السِّحْرَ . فَقَالَا : [ ص: 216 ] إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرِي وَارْجِعِي فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ : لَا ، قَالَا : فَاذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ فَبُولِي فِيهِ فَذَهَبْتُ وَفَزِعْتُ فَلَمْ أَفْعَلْ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمَا فَقَالَا لِي : فَعَلْتِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَا : هَلْ رَأَيْتِ شَيْئًا ؟ فَقُلْتُ : لَمْ أَرَ شَيْئًا . فَقَالَا : لَمْ تَفْعَلِي ارْجِعِي إِلَى بِلَادِكِ وَلَا تَكْفُرِي فَأَبَيْتُ فَقَالَا : اذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ فَبُولِي فِيهِ فَذَهَبْتُ فَاقْشَعَرَّ جِلْدِي وَخِفْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِمَا فَقَالَا : مَا رَأَيْتِ ؟ فَقُلْتُ : لَمْ أَرَ شَيْئًا . فَقَالَا : كَذَبْتِ لَمْ تَفْعَلِي ارْجِعِي إِلَى بِلَادِكِ وَلَا تَكْفُرِي فَإِنَّكِ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكِ فَأَبَيْتُ فَقَالَا : اذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ فَبُولِي فِيهِ فَذَهَبْتُ فَبُلْتُ فِيهِ فَرَأَيْتُ فَارِسًا مُتَقَنِّعًا بِحَدِيدٍ خَرَجَ مِنِّي حَتَّى ذَهَبَ فِي السَّمَاءِ فَغَابَ عَنِّي حَتَّى مَا أَرَاهُ فَأَتَيْتُهُمَا فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ ، فَقَالَا : فَمَا رَأَيْتِ ؟ قُلْتُ : رَأَيْتُ فَارِسًا مُتَقَنِّعًا بِحَدِيدٍ خَرَجَ مِنِّي فَذَهَبَ فِي السَّمَاءِ فَغَابَ عَنِّي حَتَّى مَا أَرَى شَيْئًا . قَالَا : صَدَقْتِ ذَلِكَ إِيمَانُكِ خَرَجَ مِنْكِ اذْهَبِي ، فَقُلْتُ لِلْمَرْأَةِ : وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا وَمَا قَالَا لِي شَيْئًا فَقَالَا : بَلَى إِنْ تُرِيدِينَ شَيْئًا إِلَّا كَانَ خُذِي هَذَا الْقَمْحَ فَابْذُرِي فَبَذَرْتُ فَقُلْتُ : اطْلُعِي فَطَلَعَتْ وَقُلْتُ : أَحْقِلِي فَحَقَلَتْ ثُمَّ قُلْتُ : أَفْرِخِي فَأَفْرَخَتْ ثُمَّ قُلْتُ : إِيبِسِي فَيَبِسَتْ ثُمَّ قُلْتُ : اطْحَنِي فَطَحَنَتْ ثُمَّ قُلْتُ : اخْبِزِي فَخَبَزَتْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُ أَنِّي لَا أُرِيدُ شَيْئًا إِلَّا كَانَ سَقَطَ فِي يَدِي وَنَدِمْتُ ، وَاللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا فَعَلْتُ شَيْئًا قَطُّ وَلَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا ، فَسَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَدَاثَةَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ فَمَا دَرَوْا مَا يَقُولُونَ لَهَا وَكُلُّهُمْ هَابَ وَخَافَ أَنْ يُفْتِيَهَا بِمَا لَا يَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ كَانَ أَبَوَاكِ حَيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَكَانَا يَكْفِيَانِكِ " .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَالْغَرَضُ فِي إِخْرَاجِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حِدْثَانُ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ الْأَبَوَيْنِ يَكْفِيَانِهَا " .
ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
-----------------------------------------------
(1):[ الآداب الشرعية لابن مفلح رحمه الله (٣٨٩/١)]"وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ : بِرُّ الْوَالِدَيْنِ كَفَّارَةُ الْكَبَائِرِ . وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَكْحُولٍ"ا.هـــــ.
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وسلم والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق